خديجة العبد.. ملهمة في عصر العتمة




بقلم: رانيا الغزالي
خديجة العبد، تلك المرأة الفذة التي عاشت في القرن السابع عشر الميلادي، كانت بمثابة مصباحٍ يضيء في ظلام العصر. ففي زمنٍ ساد فيه الجهل والاضطهاد، برزت خديجة كمفكرة ومصلحة اجتماعية، تركت بصمة واضحة في تاريخ المنطقة.
كانت خديجة، ابنة الشيخ عبد القادر بن علي العبيد، رجل دين ثري ومؤثر في مدينة غرناطة بالأندلس. ونشأت في بيئة علمية غنية، إذ كان والدها عالِمًا معروفًا، ووفر لها تعليمًا ممتازًا. وقد مكنتها هذه الخلفية من تطوير ذهن ثاقب ونظرة واسعة للحياة.
لم تكتف خديجة بالبقاء في حدود منزلها، بل كانت امرأة جريئة ومستكشفة، متعطشة للمعرفة والثقافة. فتنقلت بين ضواحي ومدن الأندلس، زائرةً المكتبات ودور العلم، وتتلمذت على يد كبار العلماء والفقهاء. وقد جمعت معرفة واسعة في مجالات الدين والفلسفة والعلوم.
قوة العقل والإيمان
وكما كان عقل خديجة نيرًا، كان قلبها حنونًا وعطوفًا. فقد كانت امرأة مهتمة جدًا بالآخرين، خاصةً المهمشين والمحتاجين. وقد انخرطت في أعمال الخير والبر، مخصصةً جزءًا كبيرًا من ثروتها للأعمال التطوعية.
فأنشأت خديجة مدرسة للفتيات في مدينة غرناطة، وكانت من أوائل النساء اللاتي أولين اهتمامًا بتعليم الفتيات. وقد وفرت لهن تعليمًا شاملًا، شمل الدين والعلوم والفنون. كما أسست مستشفى وميتمًا، متنكرةً في زي رجل لتتجنب انتقاد المجتمع المحافظ.
لم يقتصر نشاط خديجة على العمل الاجتماعي، بل امتد ليشمل المجال السياسي. فعندما سقطت غرناطة في أيدي مملكة قشتالة عام 1492، وقاد محمد الثاني عشر، آخر ملوك غرناطة، حملة المقاومة، وقفت خديجة بجانبه، مستخدمة نفوذها وثروتها لدعم المقاومة.
إرث خالد
وبعد سقوط غرناطة، اضطرت خديجة إلى ترك وطنها، فهاجرت إلى مدينة فاس المغربية، حيث قضت ما تبقى من حياتها في المنفى، واستمرت في دعم أبناء شعبها وحماية هويتهم الثقافية.
وما تزال ذكرى خديجة العبد حية حتى اليوم، فهي رمز للمرأة القوية والمثقفة والعطوفة. وقد أُطلق اسمها على العديد من المدارس والجمعيات الخيرية تكريمًا لها وإرثها.
مصدر إلهام للأجيال
في عصرنا الحالي، حيث لا تزال المرأة تواجه العديد من التحديات، تعد خديجة العبد مصدر إلهام لنا جميعًا. فهي نموذج للمرأة التي يمكنها أن تكون مثقفة وناشطة اجتماعيًا وسياسية، وتساهم بشكل إيجابي في مجتمعها.
دعونا نستلهم من قصة خديجة الدافع لنكون أكثر جرأة في متابعة أحلامنا، وقوة في مواجهة التحديات، وعطفًا في التعامل مع الآخرين. ففي عالم يحتاج بشدة إلى النور، يمكن لنساء مثل خديجة أن يقودننا إلى مستقبل أكثر إشراقًا.