فارس.. فارس.. فارس.. فارس




"فارس يا فارس" هذا النداء الذي كان يرن في أروقة مدرستي، كلما وقفت في طابور الصباح. وكلمات قصيدة "فارس يا فارس، نحن معك نقاتل، ونحمي الأوطان"، التي كنا نرددها بخشوع نابع من قلوبنا الصغيرة.
أعترف أنني في ذلك الوقت لم أكن أفهم كل الكلمات، لكنني كنت أشعر بالإثارة الوطنية التي كانت تنبض في أعماق كل تلميذ منا. فلم أكن أتصور من هو "فارس" هذا، الذي كنا نناديه بتلك الحماسة.
حين كبرت قليلاً، عرفت أنه الرئيس السادات. لكنني لم أكن أعرف سوى القليل عن دوره في تلك الحرب، وكيف قاد بلادنا إلى النصر. وقررت البحث عنه وعن قصة حياته.
فارس، الذي ولد في قرية صغيرة في محافظة المنوفية، كان رجلاً ذا رؤية. التحق بالجيش بعد تخرجه من الكلية الحربية، وسرعان ما برزت موهبته العسكرية وذكائه الاستراتيجي.
عندما اندلعت حرب أكتوبر عام 1973، كان السادات هو نائب الرئيس. لكنه تولى قيادة البلاد بعد استشهاد الرئيس جمال عبد الناصر. وكانت تلك لحظة حاسمة في تاريخ مصر.
واجه السادات معضلة صعبة. فمصر كانت في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1967، وكانت قد عانت الهزيمة في تلك الحرب. لكن السادات كان مصمماً على استعادة كرامة بلاده.
اتخذ السادات قراراً جريئاً بمفاجأة إسرائيل بهجوم خاطف. وفي 6 أكتوبر 1973، عبر الجيش المصري قناة السويس، واستعاد جزءًا من سيناء، التي احتلها الإسرائيليون.
كانت لحظة النصر التي حلم بها كل مصري. ولأول مرة منذ سنوات، شعرنا بالفخر والكرامة. ونزل الناس إلى الشوارع يغنون ويرقصون، ويهتفون باسم السادات.
حرب أكتوبر لم تكن مجرد نصر عسكري. لقد كانت نقطة تحول نفسية لمصر. أعادت الثقة إلى الشعب المصري، وأثبتت أننا لسنا أقل من أي أحد. ولعب السادات دوراً رئيسياً في هذا الانتصار.
كان السادات قائداً شجاعاً وحكيماً. استطاع أن يتخذ قرارات صعبة في أوقات صعبة، وأن يقود بلاده إلى النصر. لقد كان حقاً "فارس الأمة".
ولكن، بالإضافة إلى بطولاته العسكرية، فقد كان السادات أيضاً رجلاً للسلام. ففي عام 1979، وقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وهي الاتفاقية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
هذه الاتفاقية كانت مثيرة للجدل في ذلك الوقت، لكنها أدت إلى فترة طويلة من السلام بين مصر وإسرائيل. لقد كانت خطوة جريئة اتخذها السادات من أجل مصلحة بلاده.
لقد كان السادات شخصية معقدة ومتناقضة. كان قائداً عسكرياً ناجحاً ورجل سلام في الوقت نفسه. كان شجاعاً وحكيماً، لكنه كان متعجرفاً وعنيداً في بعض الأحيان.
لكن بغض النظر عن عيوبه، فلا شك أن السادات كان أحد أهم الشخصيات في تاريخ مصر الحديث. لقد قاد بلاده إلى النصر في وقت كانت فيه في أمس الحاجة إليه، وأقام السلام مع إسرائيل، مما فتح الباب أمام مستقبل أكثر إشراقاً لمصر.
لذلك، عندما أسمع أغنية "فارس يا فارس"، فإنني أتذكر دائمًا الرئيس السادات. لقد كان حقاً "فارس الأمة"، وهو يستحق ما قدمه من تضحيات من أجل مصر.