ما الذي تخفيه بركاتُ الرّحمن؟




هل سبق وأن انتابَك شعورٌ ما تجاهَ مجموعةٍ من الناس الذين لم تلتق بهم من قبل؟ هل شعرتَ بأنك تعرف أحدهم أو أنك التقيتَ به من قبلُ؟ هل أحسستَ يومًا ما أنه يمكنك الثقة بشخصٍ ما من أوّل نظرة؟ هل هناك من أسرارٍ لا نعلمها نستطيع إدراكها من خلال لغة الجسد أو طريقة الحديث أو حتّى من خلال الحركات اللاإرادية التي نقوم بها؟

في هذا المقام، تأتي دراساتُ لغة الجسد لتلقِيَ الضوءَ على علاقةٍ وثيقةٍ تربط ما يُخفيه دماغ الإنسان من أفكار ومشاعر بما يصدرُ عنه من لغة جسدٍ وحركات غير واعية. وتُشير الدراسات إلى أن لغة الجسد تُمثّل ما يصلُ إلى 55% من عملية التواصل بين البشر، وأنها قد تكونُ المُعبّرَ الأكثر صدقًا عن مشاعر وحالة الشخص من الكلمات ذاتها.

فإذا كنتَ تُحبُّ شخصًا ما وتُخفي مشاعرك، فإنك قد تُعبّرُ عن هذه المشاعر من خلال لغة جسدك، فحينَ تشعرُ بحبٍ تجاه شخصٍ ما، فإنك ستميلُ إلى الاقتراب منه جسديًا وإلى إمالة رأسك تجاهَه وإلى توسيع بؤبُؤ العين.

أما إذا كنتَ تكرهُ شخصًا ما أو تُخفي كُرهك تجاهَه، فإنك قد تُعبّرُ عن هذا الكُره من خلال لغة جسدك أيضًا، فحينَ تشعرُ بكُرهٍ تجاه شخصٍ ما، فإنك ستميلُ إلى الابتعاد عنه جسديًا وإلى تجنّب النظر في عينيه وإلى إغلاق ذراعيك على صدرك.

وإلى جانب ما نُعبّرُ عنه من خلال لغة جسدنا من حُبٍ وكُرهٍ، فإننا نُعبّرُ أيضًا عن غير ذلك من المشاعر من سعادةٍ وحُزنٍ وغضبٍ وغيرها، فكلُّ مشاعرنا تنعكسُ على لغة جسدِنا وحركاتِنا اللاإرادية. كما أننا قد نُخفي مشاعرنا الحقيقية بكلماتنا، ولكن لا يُمكننا إخفاؤُها من خلال لغة جسدنا وحركاتِنا اللاإرادية.

يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: "إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى حجبَ عنكم ثلاثةً: طَلَعَتَه، وصحابَةَ ملائكته، وكيفيَّةَ قبضِ أرواحِ العباد."[1]

وإنّ ما يخفيه الله تبارك وتعالى عنا يثيرُ في نفوسِنا شوقًا وشغفًا رهيبَيْنِ. ومهما بلغَ علمُ الإنسانِ ومعرفتُه، فإنَّ هذا الشوقَ لن يزولَ ولن ينتهي إلى أن نلقى اللهَ عزّ وجل.

وفي الحديث الشريف أيضًا: "إن الله خلق آدم على صورته، فكان طولُه ستين ذراعًا، ثم قَبَضَ قبضةً من ترابٍ وقال: يا آدمُ هذا منك وهذا إليك، فإذا متَّ رجعتَ إلى هذا".[2]

وهذا يعني أنَّ اللهَ تبارك وتعالى خلقَ آدمَ عليه السلام في أحسنِ صورةٍ، وأنّ في تكوينِ الإنسانِ من ترابٍ سرًّا عظيمًا لا نعلمُه. ويُرجَّح أنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد خلقَ الإنسانَ من ترابٍ ليكونَ مُتواضعًا، وليعلمَ أنّه لن يعودَ بعد الموتِ إلا إلى ترابٍ.

وختامًا، فإنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد أخفى عنَّا أشياء كثيرةً، لكنه لم يخفِ عنا طريقَ سعادتِنا. فاللهُ تبارك وتعالى قد بيّنَ لنا في كتابه الكريم وفي سنّة رسوله الكريم ما يُجنِّبُنا الوقوعَ في الشِّقوة وما يُرينا طريقَ الفلاح والنجاح في الدارين.