عبد الرحمن أبو زهرة.. من عالم الأزهر إلى نجم الفن




في خضم عالم الدين الصارم، راقبت شمس عبد الرحمن أبو زهرة، طالعة من أزقة القاهرة، ممزوجة بالورع والحكمة والمرح.

بصوته الرخيم، وطلعته البشوشة، ووقفته الهادئة، نال أبو زهرة مكانة بارزة في قلوب المصريين والعرب. كان عالمًا بارزًا في الأزهر الشريف، لكنه لم يكن عالمًا عاديًا. امتلك ولعًا بالفنون، وخاصة المسرح، فقرر خوض التجربة والانضمام إلى فرقة الفنانين المتحدين، ليظهر موهبته الاستثنائية في أداء مختلف الشخصيات.

مسيرة حافلة بالأدوار المميزة:

على خشبة المسرح، تألق أبو زهرة في أدوار لا تُنسى. جسد دور الملك في مسرحية "ليلى والمجنون"، وظهر في دور البطولة في مسرحية "دكتور كمال". لم تقتصر موهبته على المسرح، بل امتدت إلى السينما والتليفزيون، ليشارك في عشرات الأعمال، منها "البريء" و"الأرض" و"السيد البدوي".

الدين والفكر:

رغم شهرته الفنية الواسعة، لم ينس أبو زهرة أبدًا جذوره الدينية. كان واحدا من أكثر المفكرين الإسلاميين بروزًا في عصره، وله مؤلفات عديدة في شتى مجالات العلوم الإسلامية. كما كان معروفًا بمواقفه المنفتحة تجاه قضايا المجتمع، ودعا باستمرار إلى التسامح والوحدة.

النباهة والذكاء:

كان أبو زهرة صاحب ذكاء حاد وذاكرة وقادة. روى تلاميذه أنه كان قادرًا على تدارس أكثر من عشرين صفحة من القرآن الكريم دفعة واحدة، دون أن يخطئ في حرف واحد.

وقفة مع الانتقاد:

لم يخلُ مشوار أبو زهرة الفني من الانتقادات، خاصة تلك التي وجهت إلى الجمع بين عمله الديني وعالم الفن. لكنه واجهها بشجاعة، مؤكدًا أن الفن رسالة إنسانية تستهدف نشر الخير والفضيلة.

الإرث الذي لا يندثر:

رحل عبد الرحمن أبو زهرة عن عالمنا عام 1984، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا وفنيًا كبيرًا. لا تزال أعماله الدينية والمسرحية والسينمائية تلهم وتثري الأجيال حتى يومنا هذا.

جاء أبو زهرة من أعماق الأزهر ليضيء سماء الفن العربي، وترك بصماته في كل حرف أداه، وكل شخصية جسدها. إنه نموذج فريد للاجتماع بين العلم والفن، والوقوف على جسرين متوازيين دون أن يفقد توازنه.

فيا أيها الفنان الواعظ، كم افتقدناك على شاشتنا المسرحية والسينمائية!