أول جمعة في رمضان.. لحظات روحانية خاشعة




عبق أول جمعة في رمضان يسري في أرجاء الزمان والمكان، يلفح القلوب بنفحاته العطرة، وينشر على الجباه سجودًا لم يخضع مثله. إنها لحظات روحانية تفيض فيها المشاعر بالخشوع والإيمان، لحظات تعانق فيها الأرض والسماء، وتتلاشى فيها الحدود بين العباد وربهم.
إنها تلك الجمعة التي تعقب يومًا مجيدًا من الصوم والصلاة، يومٍ نزلت فيه سورة كاملة من الذكر الحكيم، سورة الجمعة التي تحث المؤمنين على اغتنام هذه اللحظات المباركة. في هذه الجمعة العظيمة، تتوجه القلوب إلى المساجد والمعابد، متلاحمة كما لم تتلاحم من قبل. ففي هذه اللحظات، لا فرق بين غني وفقير، كبير وصغير، الجميع سواسية في الحب والإيمان.
تتزين المساجد بأبهى حللها، وتتلى آيات القرآن بصوت عذب شجي، يرن في أرجاء القلوب ويجعلها تهفو إلى عليائها. خشوع المصلين بادٍ على محياهم، ودموع الفرح تتساقط من عيونهم، وهم يتضرعون إلى الخالق سبحانه وتعالى بالرحمة والمغفرة.
تتخلل خطبة الجمعة أجواء المساجد، ويستمع إليها المصلون بآذان واعية وقلوب متأثرة. تحث الخطبة على التمسك بالقيم الفاضلة، وتذكّر المؤمنين بأهمية هذا الشهر الفضيل في تطهير النفوس وإصلاحها.
بعد صلاة الجمعة، تزداد المحبة والود بين الناس، فيتبادلون التهاني والدعوات بالرحمة والمغفرة. تنظم بعض المساجد والجمعيات الخيرية موائد الرحمن، حيث يتناول الفقراء والمحتاجون الطعام والشراب مجانًا، في تجسيد حقيقي لروح التكافل والتراحم بين المسلمين.
تتواصل اللحظات الروحانية العطرة طوال اليوم، وتستمر القلوب في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى. في هذه الجمعة المباركة، تتهيأ النفوس لاستقبال النصف الثاني من شهر رمضان الفضيل، عازمين على المضي قدمًا بحماس وخشوع أكبر.
وعندما تغيب شمس أول جمعة في رمضان، يترك هذا اليوم العظيم ذكرى خالدة في نفوس المؤمنين. لحظات روحانية تعيش فيها القلوب لحظات إيمانية لا تُنسى، وتنثر في النفوس بذور المحبة والتقوى، لتدوم معها طوال الشهر الكريم وبعده.