خرج ابن الأثير… وخرجت الحشاشين من الظلام




لو نظرنا إلى الأمر من ناحية أخرى، فإن ابن الأثير لم يُخرج الحشاشين من الظلام فحسب؛ بل أخرجهم من دائرة الخرافة إلى دائرة التاريخ. دخل ابن الأثير إلى حصن المصياف وألقى تحية السلام على رسول الحشاشين وأميرهم رشيد الدين سنان، وذلك في لقاء كان بمثابة نقطة تحول في حياة الاثنين.
يحكي لنا ابن الأثير عن بيوت الفردوس الأسطورية، وهي مجموعة من القلاع العالية المرتفعة، والتي استولى عليها الحشاشون، وكيف استولوا عليها وحولوا المنطقة إلى ملاذ آمن لهم للمؤمنين فقط. ولكن بالإضافة إلى هذا الوصف المادي، فقد حاول ابن الأثير أيضًا فهم الحشاشين كجماعة دينية وفلسفية.
لقد تحدث عن معتقداتهم الغريبة وإيمانهم بالنفس المقدسة للخليفة المستنصر الفاطمي، حيث كان من المفترض أنه دخل إلى عالم من الخلود بعد موته. كما تحدث عن طقوسهم الغريبة، مثل استهلاك الحشيش، والذي كان بمثابة مفتاح لمشاهدة عالم الروح.
ولكن ما الذي دفع ابن الأثير إلى الذهاب إلى معقل الحشاشين في المقام الأول؟ كان فضوله العلمي هو الدافع وراء هذه الرحلة حسب ما قاله. لقد أراد أن يفهم من هم وما الذي دفعهم إلى القيام بالأعمال التي قاموا بها. لقد أراد أن يرى بنفسه كيف عاشوا وكيف مارسوا معتقداتهم.
وبعد زيارته، كتب ابن الأثير عن الحشاشين في كتابه "الكامل في التاريخ"، حيث وصفهم بأنهم "طائفة من الخوارج" و"مجموعة من الزنادقة". كما ذكر أنهم كانوا "شجعانًا" و"أذكياء"، لكنهم أيضًا "متهورين" و"متطرفين".
على الرغم من أن وصف ابن الأثير للحشاشين قد يكون متحيزًا بعض الشيء، إلا أنه يوفر لنا نافذة قيمة في عالم هذه الجماعة الغامضة. من خلال روايته، يمكننا أن نلقي الضوء على معتقداتهم وممارساتهم، وأن نرى الدور الذي لعبوه في التاريخ الإسلامي.
وإلى جانب ابن الأثير، كان هناك مؤرخون وكتّاب آخرون كتبوا عن الحشاشين، مثل ماركو بولو ورشيد الدين فضل الله الهمداني. ومع مرور الوقت، أصبحت أسطورة الحشاشين أسطورة منتشرة على نطاق واسع، حيث غذت خيال الكتاب والشعراء في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، فإن ابن الأثير يظل أحد أكثر المصادر موثوقية حول الحشاشين. كانت رحلته إلى حصن المصياف لحظة محورية في حياته، كما كانت نقطة تحول في فهمنا لهذه الجماعة غير العادية. فمن خلال روايته، أخرج ابن الأثير الحشاشين من دائرة الأساطير ودخ بهم إلى دائرة التاريخ.